بحث عن:

الجمعة، 6 أغسطس 2010

29   عندما ننتظر القطار (2)



وتناول الرجل أحد الكتب التى بجواره وأخذ يقرأه بأهتمام ويبدو انه ديوان شعر صوفى قديم واخذ يردد ما فيه بصوت هامس وكأن خواطره تستدعيه لمكان آخر بعيد غير الواقع الذى يحيطه فى محطة القطار .... وأستسلم لقراءة الشعر والخواطر غير مبالى بما يحدث حوله ..


كانت ليلى قد أرهقها طول الأنتظار وسط كل هذه الوجوه والحقائب وكانت تود لو أن الوقت يمر سريعاً لتجد نفسها فى موطنها لتستريح  روحها المتعبة من طول  الوحدة والانتظار وفى هذه الاثناء  مر بجوارها رجل وأمرأة تعلو ملامحهما سمات الايمان ونور وضياء غريب يشع من عيونهما ... وكل منهما يمسك بيد الآخر بحنان ومودة  ويحمل الرجل حقيبة صغيرة جداً ويبدو ان بها بعض كتب دينية لايحملون غيرها وكانوا يتجهون لرصيف المحطة الذى يتجه ناحية الشرق وتمنت ليلى لو مكثا بعض الوقت بجوارها لتستأنس بهما فلقد أنشرح صدرها لهما وأحست بتقارب  وتشابه كبير بينهما وبين أهل وطنها الحبيب ....وفى تلك الاثناء دخلت المحطة مجموعة من الفتيات المرحات يرتدين ملابس الاسلام   ويتوشحن بالحياء  والادب ويبدو عليهن من حديثهن انهن يتوجهن لمسابقة ادبية اسلامية  وشعرت ليلى بالفخر و السعادة لذلك وقالت هكذا يجب ان يكون (بنات الاسلام)....
 ولم تلحظ ليلى ان هناك رجل غريب الروح والنظرات يتابعها من بعيد منذ ان دخلت محطة القطار...  يجلس فى هدوء وثقة  غريبة ليتابع كل ما يحدث حوله وكأنه اعتاد  الغوص فى بحر الاسرار وعقول البشر ...وفجأة تبسم لها وكأنه يقول لها فى صمت لا تخشى الوحده او الأنتظار فأنا هنا احميك لو حدث مكروه لك او اصابك شىء فى ظلام الليل  ...نظرت  فى تساؤل ودهشة كبيرة لكن شىء ما وقع بنفسها من راحة وسكينة وشعرت ان معها من يؤنس وحدتها  فى هذا الليل الغريب ...
وألتفتت مرة اخرى بعيدا بنظرها الى رجل دخل الى رصيف المحطة ولا يحمل شىء سوى جريدة  قد طواها بين يديه بأهتمام وكأنها كل ما يملك بالحياه ودون ان يشعر وجد نفسه يهتم بكل من حوله يريد ان يحمل عنهم حقائبهم ويساعد الفتيات فى  المرور بسلام من وسط الزحام  وكأنه مسؤل عن الجميع وتعجبت ليلى 
من اسلوب هذا الرجل الذى يريد ان يساعد من حوله فى حمل حقائبهم دون ان يعرفهم اويسألوه العون فهناك اناس يهبهم الله القدرة على خدمه البشر دون ان ينتظروا منهم جزاء او شكر 
وأخذ الوقت يمر بطيئاً  و أحساس الملل والوحدة قد لف ليلى من كل اتجاه وفجأة علت صيحات كثيرة واقدام تسرع  تجاه رصيف القطار فلقد أتى قطار على احد الارصفة بساحة المحطة وصوت الاقدام المهرولة والصيحات المسرعة قد نبهت الجميع فهبوا للحاق بقطارهم لكنه لم يكن هو  قطار ليلى الذى تنتظره وفى هذه الاثناء قام الرجل الغريب  من مقعده وأتجه ناحية ليلى بهدوء وثقة ومد يده اليها بزجاجة ماء بارد دون ان يتكلم كلمة واحدة فتعجبت ليلى كيف عرف هذا الرجل انها تشعر بعطش؟؟؟!! وردت عليه بنظرة كلها استفهام فتبسم لها وترك لها زجاجة الماء ورجع ثانية الى مقعده لينتظر قطاره  ... وتركها  غارقة فى تعجبها مع زجاجة الماء ....زاد احساس ليلى بالاعياء و الجميع حولها يتحرك  فى صعود وهبوط وهى لازالت تنتظر قطارها ...
وسمعت صوت صفير قطار آخر يتجه الى رصيف المحطة فهبت مسرعة اليه على امل ان يكون قطارها لكنه كان يتجه عكس طريقها وقام الرجل الغريب  وصعد الى هذا القطار بهدوء شديد 
وغادر المحطة ...
وألتفتت ليلى حولها واذا بكل الذين شاهدتهم فى اول رحلتها قد غادروا ساحة الانتظار بالمحطة واناس غيرهم قد حلوا بالمكان 
وتتبدل الاشكال والحقائب والوجوه لكن الحياة تستمر بنفس طريقتها صعود وهبوط سفر ورجوع فرح وحزن .... شوق ولقاء
نظرت ليلى الى السماء فوقها وإذا بخط أبيض يفصل ليلها عن النهارويوم جديد بالحياة فى محطة القطار من سيغادر ومن سيعود؟؟؟!!! ولازالت ليلى تنتظر قطارها بساحة الانتظار 
وهى تقول لنفسها ما أصعب الانتظار مع الوحدة والوجوه والحقائب  تتوالى حولنا وتتبدل حين ....
.ننتظر القطار 

29 التعليقات:

إظهار التعليقات
newer posts older posts home

اصدقاء المدينة الفاضلة