فى محطة القطار
عندما تخمد أصوات الحياة فى النهار ... تنبعث أصوات الخيال وتستفيق
على صفحات الليل الامنيات
ما أشبه الليلة بالبارحة !!!
هكذا كانت ليلى تحدث نفسها وهى تجلس
على مقعدها فى محطة القطار ليلاً .... تحتضن نفسها بذراعيها
وكأنها تحاول أن تحافظ على توازنها خشية أن تتهاوى من شدة الاعياء
والارهاق الذى اصابها من عناء يوم طويل كانت تتفحص الوجوه
العابثة حولها وتتأملها فى أهتمام بالغ وقد كانت قد أستقلت قطاراً بطريق
الخطأ وهى برحلتها لموطنها فأضطرت أن تغادره فى هذه المحطة
باحثةً عن القطار الصحيح مترقبة وصوله بشغف وشوق و قد أضناها
طول الغياب عن موطن روحها ونسيم الامان ببستان وطنها ولم تجد
أمامها سوى الأنتظار على هذا المقعد الذى كان يشرف على ساحة
المحطة كلها .... فأنتهزتها فرصة تتأمل فيها الوجوه والعيون وتحاول
ممارسة هوايتها القديمة ... فقد كانت ليلى وهى طفلة صغيرة تعشق
المساء بهدوءه العذب الساحروتطل من نافذتها على الدنيا بالمساء حين
تختفى الارواح خلف النوافذ والابواب المغلقة وتتساءل ...كم ياربى من
أسرار تحوى هذه البيوت والنوافذ والشرفات ؟؟!! فى كل نافذة سر من
أسرار الحياة ...هنا فرح وهنا حزن وهنا ترقب وأنتظار ...
هنا أنسان يشقى
...وآخر يرضى بحاله ...وغيره لا يبالى بشىء وآخر يعد حقيبته لسفر
طويل ينشد فيه الامانى
أسرار ...أسرار...أسرار
ولم تكن تبحث عن معرفة الاسرار لكن ما وراءها من حكمة واعجاز
من الله الذى يعلم اسرار الكون ويتدبر شؤنه الكثيره بقدرتة العظيمة
وكانت بعد لحظات تأملها هذه تغلق نافذتها وهى تقول
(سبحان الذى يعلم السر وأخفى)
وهاهى اليوم تقول ( ما أشبه الليلة بالبارحة)
وحين نظرت لعيون البشر حولها بوجوههم العابثة المختلفة
الملامح والانفعالات وتقاسيم الحياة التى حفرت عليها ....
تذكرت طفولتها وأخذت تتفحص البشر من حولها وهم يحملون
متاعهم وحقائبهم التى تحوى أسرارهم بداخلها وتلفها الامانى ودروب
الحياة تقذف بهم يميناً ويساراً وتلقى بهم على أعتاب أمانيهم ومنهم
من يصل ومنهم ما زال يترقب امنياته....وما أتعب الدنيا بغير أمانى
رغم أنها تشقينا بها أحياناً وتجعلنا نلهث خلفها كأننا بحلبة سباق نتبارى
ووضعت ليلى كفها مسندة به رأسها الذى كاد ان يقع من احساس
النوم الذى غزاه بقوة لكن الوجوه حولها جذبتها للحظات تفكير ابعدتها
قليلا عن احساس اخر بالوحدة فى الانتظار ومرارته ...
فى محطة القطارنتعلم انه برغم أن الايام تفرق قهراً شمل الاحباب
إلا أنها أيضا تجمع البعض بغير ميعاد فكان كل من حولها منهك
الأنفاس والبعض يلتحف سحابات وداع وأخر تخنقه دموع الكلمات
متأثراً بسحر اللقاء بعد طول غياب
وفى غمرة التأملات والتساؤلات إذا بيد حانية تربت على كتف
ليلى وصوت هامس رقيق لأمرأة هيفاء تسألها : عن سبب جلوسها وحدها
بهذا الوقت المتأخر وإذا كانت تريد المساعدة ... نظرت إليها ليلى فى
أمتنان وحنان وشكرتها واخبرتها أنها تنتظر موعد القطار المتجه لموطنها .
وأمسكت المرأة حقيبتها الوردية اللون بيد وحطت بيدها الاخرى على
كتف ليلى بحنان كطائر وديع وقالت لها إنى سأجلس فى المقعد المجاو
ر لك لنقتل الوقت سوياً...شكرتها ليلى بأبتسامة هادئة وألتفتت مرة أخرى
إلى ساحة المحطة الواسعة التى ضاقت بالحقائب التى تحمل الأسرار وأغوارها ..
وإذا بنظرها يقع على رجل فى حوالى الاربعين من عمره يجلس
وحيداً شارداً فى زاوية بعيدة فى ساحة الانتظار بالمحطة ....
بجواره حقيبة كبيرة ضخمة وكأنه يحمل بها كل أسراره ويحتضن بين يديه
حقيبة أخرى صغيرة وقد ظهر بها بعض الصور التى كان ينظر اليها
بشوق بالغ وكأنه يستدر الذكريات منها وبجواره على مقعده كتاب
للطهى وفنونه ففهمت ليلى انه ربما يعمل فى هذا المجال ونظرت
لتقاسيم وجه الرجل الذى أرتسمت عليه بعض الاحزان والأشجان
وكانت بعينيه دمعه أبت الا أن تفر منها ويبدو انه كان ينتظر
موعد قطاره من زمن أو ربما نسى سائق القطار ميعاد العوده ....
وفى مقعد آخر قريب من ذاك الرجل كان هناك شاب ينتظر قطاره
وكان كثير الحركة والحيوية بنشاط واضح وكأنه أعتاد السفر كل يوم
وفى أثناء نهوضه المفاجىء للحاق بقطاره الذى أتى
مسرعاً من بعيد قد اصطدم بفتاتين .. كانتا فى انتظار
والدهما الذىعاد من رحلة عبادة لبيت الله وبرغم قوة الصدمة
التى اصابتهما من كتف هذا الشاب إلا انهما لم يشعرا بها لشدة
السعادة التى غمرتمها لعودة
والدهما الذى يحبونه حد الجنون ...وأمتزجت دموع الفرح مع صيحات اللقاء ....
وكان الرجل الذى يجلس وحيداً يرمقهم بنظرة باردة من بعيد ويعود
مرة أخرى لذكرياته التى يحملها بأحضانه فى حقيبته الصغيرة يتأملها وحيداً ....
وإذا برجل آخر بين يديه كم من الكتب والدفاتر ودواوين الاشعار
ووضعها على مقعد وجلس هو على مقعد آخر يجاوره ....
يتبع
13 التعليقات:
أختي الفاضلة لولو كاتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة رائعة جداً جداً رغم أنني متشوق للبقية لكنها تبعث الأمل في نفس قارئها
أختي واصلي فلقلمكِ نغمة خاصة لا استطيع وصفها إلا بالصدق والإخلاص
حياكِ الرحمن أيتها المدينة الفاضلة
ودمتِ بتقوى وعافية...
السلام عليكم
محطة الحياة بها الكثير والكثير من العجائب والذكريات والتذكير والوعيد والحنين
والتيه ولكن موعد المغادرة غير معروف ولكن الموطن معروف ومرسوم الخطوات
قصة جميلة بأسلوب سلس وجميل كالعادة
دخلتي الي الموضوع مباشرة دون الالتفاف
والدوران دون نقطة بذاتها
لن يكتمل رأى النهائى الا بعد اكتمالها ان شاء الله
تحياتي
أكرم هندوانة
السلام عليكم ورحمة الله استاذ اكرم
جزاك الله خيرا أخى الكريم لانك كنت اول المعلقين على القصة وادعو الله ان تكون نالت اعجابك بالفعل وليست مجرد مجاملة
لو لا حظت اخى العزيز بين السطور ستعرف انى قد استعنت ببعض الشخصيات من الاصدقاء التى اثارت فضولى وكلهم لهم حب واحترام بقلبى و وروحى
سعدت كثيرا بتعليقك استاذى العزيز بارك الله فيك
تحياتى لك وكل التقدير
Haytham Alsayes
اهلا هيثم اخى العزيز جدا
سلام الله عليك ورحمته
لو لاحظت هيثم الشاب النشيط وكله حيوية اقصد به انت وبعض الاصدقاء الشباب امثالك انت واحمد شريف وشارم واسامة
بارك الله فيك هيثم ورزقك الحيوية والنشاط والعمل الصالح دائما
وكعادتك تمدح اصدقاءك بشكل كبير اشكرك اخى وتحياتى لك وتقديرى
جميلة تراتيل الإنتظار هذه
كأنها لحظة بين الموت و الحياة
صورة مصغرة للحياة التي جمعت التناقضات العجيبة
يعجبني فيك يا لولو النزعة الإسلامية و الرؤية الفلسفية و الثوب الأدبي القصصي
أحمد محمد شمسان
اشكرك اخى احمد لتواجدك الراقى بمدينتى
جزاك الله خيرا لثناءك الطيب
واحمد الله ان ما اقصده بهذه القصة قد وصل الى الاذهان بالفعل اخى احمد انا اقصد بمحطة القطار (الحياة ) بكل مافيها من تقلبات وتغيرات
جزاك الله خيرا احمد لهذا التواجد ارائع
ولك منى باقة ياسمين بين يديك اخى الكريم
السلام عليكم
أنا قرأت الجزء ألأول سوف أتم القرأة في الجزء الثاني.
السلام عليكم : الغالية لولو
جميل تصويرك لحياة جميع من حولك
لحياة أولئك البشر الذين تعرفينهم ..
يبدو أني كتلك الفتاتين ولكن لن أذهب إلى تلك المحطة لأستقبل ذلك العزيز إلا بعد أربعة أشهر وأسبوع ..
فإلى ذلك الحين سأظل أراقب حياة هذه المحطة التي تصفين فيها أشخاص حقيقيين ..
بكلمات جميلة ..
خالص المحبة لكِ أخيتي ..
كلما ضاقت بي السبل الج ااافاااق مدونتك لاستريح فيهاا فاجدك تنثرين ورودك وتوقدين شموعك في الظلام
.. سلمت يداك..اختيار موفق جديد يعكس قدرة فائقة على الاحساس بالكلماات
ليس الفن فقط في ان يكتب الانسان قصة بل و كذلك في ان ينتقي ما تتغنى به الاذن و ما يحسه القلب .حقا قصة رائعة و ذوق اروع فاختيارها
سوف أعود يوما عندما يأتي الربيع
و أتي الربيع و بعده كم جاء للدنيا.. ربيع
و الليل يمضي.. و النهار
في كل يوم أبعث الآمال في قلبي
فأنتظر القطار..
الناس عادت.. و الربيع أتى
و ذاق القلب يأس الانتظار
أترى نسيت حبيبتي؟
أم أن تذكرة القطار تمزقت
و طويت فيها.. قصتي؟
في انتضار البقية... تفضلي بقبول اسمى عبارات التفدير والاحترام
أبو حسام الدين
السلام عليك اخى
وانا معك الى ان تتم القراءة ياصاحب الخواطر والهمسات
تحياتى لك وتقديرى
المورقة عبير
سلام الله عليك حبيبتى
وجميل عقلك
وجميل استيعابك للكلمات
جميلة انت حيث حللت ياغالية
نعم حبيبتى انت فى خواطرى هذه مع فتيات الاسلام
فانا اراككم هكذا بنات مثقفات واعيات بارك الله فيكم ورعاكم وحفظكم دائما
وادعو الله ان تكون محطتكم خالية من الصعاب والمشاكل ان شاء الله تعالى
لك منى كل الحب والتقدير
استاذ عبد الله
اقسم بالله العظيم اقر واعترف انى كلما اتي الدور على الرد على تعليقك احتار ولا اعرف السبب
اشعر ان كلماتك تضيف الى معنى الموضوع جمال ورقى
بالفعل استاذى العزيز لقد استعنت بقصيدة فاروق جويدة فى موضوعى وهى سبب الهامى بالامر وانت السبب الاخر اخى الكريم
فدائما كلماتك تثير تساؤلات بداخلى لا اعرف لها جواب
كان لك اخى مقعد بعيد فى قصتى او بالمعنى الاوضح خواطرى البسيطة عن اصدقائى ارجو الا اكون تجاوزت فيها الحد وان تكون نالت اعجابكم بالفعل
تحياتى لك ودمت بكل سكينة وراحة نفس اخى الفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أوّلا عزيزتي هذه بصمتي الأولى في مدونتك الراقية ..ما شاء الله عنك
كلمات جميلة وأسلوب رائع
ما شاء الله عليكِ
تحياتي لكِ...بورك بك وبقلمك الراقي
إرسال تعليق